الاثنين، 3 مارس 2008

روح الفنان

روح الفنان

قصة محمود البدوى

ـ لمن أجرت الشقة ..؟
ـ لشاب من القاهرة ..
ـ شاب ..؟
ـ أجل .. وشاب أعزب ..
ـ ومعه أسرته .. ؟
ـ لا .. إنه قادم وحده .. ليس معه أحد إطلاقا ..
ـ وحده .. ؟ وفى هذه الشقة الكبيرة ..؟
ـ هذا ما عرفته من زوجى ..

ولم تسترسل آمال طويلا مع صاحبة البيت .. بل تركتها ، واندفعت إلى شقتها تبحث عن أختها الكبرى هدى ، لتقص عليها ما سمعت من فاطمة هانم ، وعرفت هدى ما دار بين أختها وصاحبة البيت من حديث عن الساكن الجديد ، الذى أجر الشقة التى تحتهم مدة الصيف ، وأخذت تكون فى رأسها صورة عنه . إنه لا شك يملك سيارة فاخرة أحسن من سيارتهم ، ولابد أن يكون حسن الملبس ، رائع المظهر ، قوياً وسيما ، ولابد أنه يدخن السيجار ..! وسيجىء ومعه الطباخ والسفرجى والخادم الخاص ... وربما خادمة ... ولا بد أن تكون الخادمة جميلة للغاية ، ولا بد أن ..

واغتاظت هدى من هذه الخادمة ..! ومن هذا الشاب الوسيم أيضاً ..

وسألت أختها :
ـ أعرفت متى سيأتى ..؟
ـ غداً فى قطار الظهر..
ـ ليس فى السيارة ..؟
ـ قد تجىء السيارة بعد ذلك ..

وكفت هدى عن السؤال ، وتصورت فتى أحلامها خارجا من القطار الفاخر ، فى إحدى عربات الدرجة الأولى . والشيالون يتزاحمون على حمل حقائبة ، والفتيات فى المحطة ينظرن إليه فى إعجاب حتى يركب السيارة إلى البيت ..

وظلت هدى وأختها تحلمان بهذا الشاب ، وتكثران من التحدث عنه مدة طويلة من الليل .. ونامتا غراراً . ولما أصبح الصباح .. وقفتا فى الشرفة تنتظرانه..

وكلما وقفت سيارة تحت البيت أخذتا ترقبان من ينزل من السيارة ومعه حقائب السفر .. وجاء الظهر ، ومر ميعاد القطار ، ولم يأت أحد بالصورة التى فى خيالهما .. وأخيراً أبصرتا بشاب يحمل حقيبته فى يده ، ويمشى فى الطريق على مهل ، وهو يقرأ أرقام البيوت كأنه محصل فى شركة النور ..!

ووقف تحت البيت ورمقه بنظرة فاحصة ثم دخل ، ونظرت الفتاتان إليه فى ذهول .. أيكون هو ..!! ذلك الرجل النحيل المشعث الشعر ، الذى يرتدى حلة قديمة باهتة ، ويجىء ماشياً على رجليه ، حاملا حقيبته فى هذا الجو الشديد الحرارة .. لا سيارة ولا خدم .. ولا شىء من آثار النعمة .. اذلك الأفاق هو الذى ظلتا تحلمان به الليل بطوله وانسحبتا من الشرفة ، بعد أن تبادلتا نظرات لها معناها ، وجلستا فى الصالة فى انتظار ساعة الغداء ..

* * *

وفى الأصيل أبصرتا به خارجا من البيت ، وكان يرتدى نفس البذلة .. وشعره لا يزال مشعثاً ، وهو ينحنى فى مشيته إلى الأمام .. ويمشى على مهل .. كأنه يعرج ووجهه طويل ضامر .. وخط أنفه مستقيم ، وكتفاه ضيقتان .. وظهره مقوس .. ومشى أمامهما فى طريق البحر وعيناه إلى السماء..! إنه لا ينظر إلى الناس أبداً ، لم يرفع بصره إليهما قط كما يفعل غيره من الشبان .. وغاب عنهما فى زحمة الناس ..

ولما نزلت الفتاتان مع أسرتهما للنزهة فى ساعة الغروب ، رأتاه جالسا على مقهى صغير فى الإبراهيمية وأمامه كومة من الأوراق .. هو شاخص ببصره إلى البحر .. ونظرتا إليه وكان غافلا عنهما سابحا بعينيه فى البحر ..
وغاظهما ذلك جداً ..

ومع أنهما كانتا تنظران إليه فى استخفاف وازدراء . والصورة الخيالية الرائعة التى كونتاها عنه ، انمحت بعد أن وقع نظرهما عليه ، وظهرت هذه الحقيقة البشعة ، ولكن حب الاستطلاع حملها على معرفة كل شىء عنه ..!

ولما سألت آمال صاحبة البيت عن هذا الشاب ، وقالت لها : إنها لا تعرف عنه أكثر من أنه من القاهرة وأجر الشقة بواسطة صديق لزوجها .. ازدادت رغبة فى أن تعرف أكثر من ذلك .. أما أختها الكبرى فقد هزت كتفيها إستخفافا ، وابعدته عن دائرة خيالها ..

وكانت آمال تراه كل صباح ومساء يخرج وحيداً .. ويعود وحيداً ، ولا أحد يقوم على خدمته ... وكانت تسأل نفسها كيف يعيش ..؟ ومن ينظف له الشقة ، إنها لم تر البواب أو أى خادم فى البيت يدخل شقته قط .. فكيف يعيش هذا الرجل ..؟ كانت تراه ينزل إلى البحر قبل الغروب ، ويجلس بعيداً عن المصيفين فى ركن قصى ، وبيده كتاب . وكانت عيناه بين البحر والكتاب .. لم يكن ينظر إلى النساء العاريات كما يفعل الشبان .. إنه مستغرق فى عالم آخر .. عالم كونه بنفسه لنفسه ..

كانت آمال تنظر إليه فى عجب .. ولفت نظرها إليه شذوذه وبروده العجيبان ، وبعده المطلق عن الناس ، وكانت تود أن تعرف ما يقرأ .. كانت تود أن تعرف ما يشغله عن الناس .. وكانت تروح وتجىء أمامه .. وتنظر إلى الكتاب .. إنه ديوان من الشعر ، وجلست على قيد خطوات منه ، وهى ترمق الكتاب ، إنها تود أن تعرف هذا الشاعر الذى يشغله عن الناس ، وقرأت العنوان وكان مكتوبا بخط كبير .. إنه ديوان ابن الرومى وفى المساء كانت مع أختها فى مكاتب الإسكندرية .. سألت عن الديوان فى مكتبة المعارف ، ومكتبة الآداب ، فلم تجده وغاظها ذلك .. وكانت أختها هدى تعجب ، لماذا تسأل أْختها عن هذا الديوان ، وهى لا تقرأ الشعر ، ولا تفهم الشعر .. وأخيراً وجدت آمال الديوان فى مكتبة صغيرة .. وفتحته عرضاً وقرأت :
أعانقها والنفس بعد مشوقة إليها وألثم فاها ...

من التى يعانقها ويلثم فاها .. ! ووضعت الديوان جانباً .. ومضت إلى الشرفة ، وكان البحر يهدر ، والناس يقلون فى الطريق .. وأسرتها تعد مائدة العشاء .. ولكنها لم تكن تحس بجوع ، ولم تكن تود أن تجلس معهم . كما كانت تفعل كل يوم .. إنها تحب أن تجلس هنا وحيدة ..
ما الذى جرى لها ..؟

ولما جلسوا للعشاء .. اعتذرت بألم فى رأسها .. وبقيت فى الشرفة وسمعت النافذة التى تحتها تفتح .. وظهر النور فى عرض الطريق . إنه هو .. لقد عاد من الخارج .. وسمعت حركة فى الشرفة التى تحتها .. ولوت عنقها ونظرت .. إنه جالس على كرسى طويل ، وعيناه إلى البحر ، إنه لا ينظر إلى فوق أبداً .. إنه لا يقرأ الآن .. ولكنه يسبح فى عالم الشعر ويتأمل ؛ إنه شاعر.. ولهذا يعيش وحيداً ، ولهذا يعيش فريداً ، وبعد العشاء جاءت أختها وجلست معها ، ولأول مرة تشعر بأن أختها ضايقتها ، ولم تعرف لذلك سببا ً..

* * *

واستمر عبد المجيد على حاله لا يعير باله لأحد من سكان المنزل ، ولا يلتفت إلى الفتاتين اللتين كانتا تراقبانه فى غدوه ورواحه ، وفى حركاته وسكناته فى البيت ، وكانت هدى على الرغم من انصرافها عنه تعجب لشذوذه وغرابة أطواره .. أما آمال فكان يغيظها منه أنه لا يحس بوجودها معه فى منزل واحد ، وهى لم تشعر نحوه بأى عاطفة ما ، فليس فيه ما يحب .. وكل الشبان الذين تراهم حولها ، وفى البيت ، أحلى منه شكلا ، وآنق ثوبا ، وأكثر قوة ..

ولكن صورته مع هذا ... كانت لا تبارح خيالها أبداً .. وفى مرة من المرات كانت نازلة من البيت ومعها أختها ، وكان هو واقفاً على بابه يتهيأ للخروج . فلما رآهما دخل وأغلق الباب .. وقد غاظهما ذلك جداً ..
وجعلت آمال تلعنه فى سرها ، هذا الصعلوك الأفاق .. يفعل هذا ‍..!
وضحكت هدى حتى احمر أنفها ..

وقالت وهى تميل على أختها :
ـ إنه خجول كالعذراء .. يا آمال خجول .. هذا الأفاق خجول ..
ـ إنك مخطئة .. إنه يحتقرنا .. إن أنفه دائماً فى السماء ..
ونزلتا إلى البحر ، وأختلطتا بالمستحمين من فتيان وفتيات ، وكان النهار رائعاً ، والبحر هادئاً كالحصير ..

* * *

بعد ايام قليلة من هذه الجفوة التى بدرت منه على السلم ، لاحظت آمال أنه لم يبرح المنزل .. لم ينزل إلى البحر ولم يتريض ، حتى غرفته المطلة على الطريق لم يفتح نافذتها .. ولم تره جالساً يطالع كما أعتادت أن تراه كل ليلة ، وهى عائدة مع أسرتها من الخارج .. أسافر .. ؟ أبداً ..! إن النور مضاء كالعادة فى الصالة ، وفى بعض حجرات البيت .. كيف يعيش هذه الأيام كلها من غير طعام .. ؟ إنها لم تر البواب ، أو أحد الخدم يحمل له شئياً من الخارج .. قد يكون مريضاً هذا المسكين .. ولا أحد يعوله ، ولا أحد يمرضه .. وتصورته وقد زاد نحولا ..!

وفى صباح يوم رأته يخرج من البيت ، وكان شاحب الوجه تبدو عليه آثار المرض الشديد .. ومشى متمهلا حتى رأته يجلس على مقهى قريب فى دائرة الشمس .. وكان قد اعتمد برأسه على كفه وأطرق ، وظلت تتأمله من بعيد ، وفى نفسها شتى الانفعالات ..

أحست نحوه بالعطف على حاله .. إنسان وحيد يمرض فى بلد غريب ، ولا يجد أخا ولا أختا ولا أما تسهر عليه ، إنه مسكين .. لابد أن تفعل له شيئاً ..

بعد ساعة رأته ينهض ، ويتحامل على نفسه حتى دخل البيت .. إنه مريض .. ومريض جداً ..

وأخذت تروح وتجىء فى الشرفة .. أترسل إليه الخادمة ..؟ ما الذى تفعله لهذا المسكين .. ووجدت نفسها تهبط الدرج ، وتنقر بيد مرتعشة على بابه ، وفتح الباب ، ونظر إليها بعينين منطفئتين ..
وكانت تنظر إليه فى إستحياء ..

وقالت أخيراً بصوت خافت :
ـ جئت أسألك إن كنت تحتاج لشىء ، فقد لاحظنا أنك مريض ... ولم تبرح منزلك منذ أيام . .

ورفع وجهه إليها فى سكون ، وقد عاد إلى عينيه بعض البريق :
ـ أشكرك .. إن هذا كرم منك ..
ـ إننى لم أفعل شيئاً حتى الآن ..

ثم حملت إليه كوباً من الليمون عصرته بيدها .. وهبطت به السلم ، وقد شعرت لأول مرة فى حياتها بشىء لذيذ هز كيانها ، وجعلها أكثر حيويةوأكثر نشاطاً ، شعرت بأنها تفعل شيئاً عظيماً ..

وتناول منها الكوب ، وقال لها ، وهو يبتسم ابتسامة خفيفة وعيناه الصافيتان تنظران إليها فى سكون ودعة :
ـ أنا لا أستطيع أن أرفض هذا من يدك ..
وتمتمت بشىء ، وصعدت الدرج بسرعة وقلبها ينتفض ..
وفى الغداء أرسلت إليه حساء ساخناً وخبزاً ناشفاً ، فقبلهما ، وبعد أن تناول الطعام نام قليلاً ، ووجد أن روحه القوية وإرادته الجبارة تعملان فى داخل نفسه ، واستكثر أن يظل هكذا طريح الفراش ، وفتاة من أسرة أرستقراطية تمرضه وترسل إليه طعامها . وطرح فكرة المرض عن نفسه .. وخرج يتمشى قليلا ، ثم ركب الترام إلى المدينة وابتاع لها كتاباً لأديبة مصرية ، وأرسله إليها مع خادمتها رداً على صنيعها عنده .. وأحس بعد هذا بالارتياح الشديد ، وأزاح صورتها عن ذهنه ..
وفى اليوم التالى لم يعد يفكر فيها إطلاقاً ..

* * *

وجلس فى مساء يوم فى الشرفة يطالع ، وكان يرفع بصره من حين إلى حين إلى البحر ، ويرتد به إلى المارين تحته فى الطريق ، ورفع بصره مرة فرأى آمال مطلة عليه من النافذة ، وظلت تنظر إليه مبتسمة ، ووجهها يفيض إيناساً وبشراً ..

وأخيراً حركت شفتيها :
ـ كيف حالك اليوم ..؟
ـ أحمد اللّه وأشكرك ..
ـ إننى لم أفعل شيئاً ..
ـ بل فعلت كل شىء ..
ـ أبداً .. أشكرك على هديتك ..
ـ أقرأت الكتاب ..؟
ـ أجل .. ساعة ما أرسلته ‍..
ـ وأعجبك ..؟
ـ للغاية ..

وسمعت آمال من يناديها .. فحيته بإيماءة من رأسها وأنصرفت .. وعاد يقرأ ويسائل نفسه .. أيحب هذه الفتاة .. أبداً .. إنها من أسرة أرستقراطية ناعمة تتكلم الفرنسية .. وتعيش فى جو خانق من التكلف وهو رجل فقير وفنان طليق .. شتان ما بين تفكيره وتفكيرهم ‍..!

أما آمال فقد كانت على توالى الأيام تزداد وجداً به وتعلقاً . وقد وجدته رجلا يغاير غيره من الرجال .. فهى لم تره عند ما ينزل إلى البحر ، يحاول التحدث مع الفتيات كما يفعل غيره من الشبان الذين هم فى سنه .. كما أنها لم تره جالساً فى المقهى مع غيره يصخب أو يلعب النرد أو يحتسى الخمر .. إنه يعيش فى عالم خلقه لنفسه ..

وقد أعجبتها طريقته الهادئة فى الحياة ، وهو وإن لم يكن جميل الشكل ولا أخاذ المظهر ، لكن روحه هى أجمل شىء فيه ، وهى التى تأسرها ، وتأخذ بمجامع فؤادها ، وصوته دائما ينفذ إلى أعماقها ، وتحس وقعة الحلو فى نفسها .. وحديثه ليس معاداً ولا مبتذلا .. إنه لا يردد كلمات الآخرين كالببغاء الحمقاء .. وحتى عندما يصمت يكون أشد أسراً ، وأعظم فتنة ..!

تعبث يداه الناصعتا البياض بالكتاب ، وتتركز عيناه السوداوان فى عينيها .. فتحس برجفة .. وتحس بهما تقرآن سرها .. فتغض من طرفها .. وتحول وجهها عنه .. ولكنه يظل مع ذلك ينظر إليها ، وكأنه يسر لأنها ترتجف .. وكأنه يسر لأنها تحس بقوة روحه الجارفة تطغى عليها ..

وتأخر ذات ليلة فى الخارج ، ولما عاد للبيت وفتح حجرة نومه وخرج إلى الشرفة ، وجد آمال تطل عليه من النافذة .. ولعلها كانت تنتظر عودته .. وإنها الوحيدة الساهرة فى بيتها .. ونظر إليها فى عجب :
لماذا تهتم به هذه الفتاة لماذا ..؟

وقال لها بصوت خافت :
ـ لماذا أنت ساهرة ..؟
ـ إن منظر البحر الليلة جميل .. وأنا ألقى عليه النظرات الأخيرة لأننا راحلون بعد غد ..
ـ حقا .. ؟
ـ ولماذا تسأل .. ولماذا تهتم ..؟
ـ أريد أن أتأكد لأستريح من هذه الجلبة التى فوقى ..!
ـ أنضايقك ..؟
ـ طبعاً .. فما أكثر خدمكم .. وما أكثر أطفالكم .. إننى لا أنام إلا فى الساعات الأخيرة من الصباح ..!
ـ آسفة لك ..
ـ ماذا يجدى الأسف ..؟
ـ أتود أن تعرف الحقيقة ..؟
ـ أجل ..
ـ إنهم راحلون جميعاً .. وسأبقى وحدى .. سأبقى وحدى لأجرب حياة العزلة مثلك ..!
ـ إنك لا تستطيعين أن تمكثى فى البيت وحدك ساعة واحدة ..
ـ ولماذا تستطيع أنت ..؟
ـ لقد تعودت ذلك .. ثم أنا لا أعيش وحدى بل تؤنسنى دائما أطياف أحبها ..
ـ خيالات الشعراء .. ؟
ـ سميها ما شئت ..
ـ ومتى تزورك هذه الأطياف ..؟
ـ كلما كنت وحدى ! ..
ـ سأتركك إذن لترى هذه الأطياف التى تحبها ..

ودخلت آمال ، وسمع النافذة تغلق ، وظل هو فى مكانه مرسلا بصره إلى البحر ، وفى رأسه تطوف أحلام لذيذة ، وكان السكون العميق ، والظلام المحيط به ، ومنظر البحر فى الليل وهو يصفق بأمواجه ويرقص .. قد جعله ينسى نفسه ، ويبقى فى مكانه طويلا .. ثم أحس بالبرد فنهض ، وأغلق باب الشرفة ، وذهب إلى فراشه ..

* * *

وفى مساء اليوم التالى سمع جرس الباب يدق ، ولما فتح الباب وجد آمال واقفة أمامه ولابسة ثوباً أزرق آية فى الذوق والأناقة .. وبيدها كتاب .. وأبتدرته بقولها :
ـ لقد جئت لك بهذا كتذ كار ..
ـ ما هو ..؟
ـ ديوان من الشعر .. !

فانتفض سروراً ومد يده نحوها ، وتناول منها الكتاب وهو يبتسم .. ونظر إليها فى سكون وقوة ... وظلت واقفة أمامه ساهمة .. فتناول يدها ، وكانت لينة حارة فى يده الخشنة .. ونظر فى أعماق عينيها وهمس :
ـ لا أدرى كيف أشكرك ..

ووجدها تتقدم نحوه وتكاد تلتصق به ، فشدها إليه ، وأغلق الباب برجله ، وضمها إلى صدره ضمة قوية ..

* * *

وفى صباح يوم السفر .. أدعت آمال المرض .. وبعد نزاع طويل بين الرجال والسيدات فى الأسرة ..! تغلبت السيدات أخيراً وأجلت الأسرة سفرها إلى الشهر التالى ..!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت القصة فى مجلة دنيا الفن بتاريخ 20/1/1948 وأعيد نشرها فى كتاب محمود البدوى " العربة الأخيرة "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات: