الاثنين، 3 مارس 2008

صقر الليل

صقر الليل


قصة محمود البدوى



كنا خمسة متجهين إلى القاهرة فى سيارة أجرة ساعة الغروب .. والتقطنا السائق جميعامن محطة ( سيدى جابر ) بعد أن تحرك القطار من المحطة ..

وكانت آخر راكبة هى سيدة شابة تحمل حقيبة بنية متوسطة الحجم .. ظلت مترددة فى الركوب ترقب السيارة من بعيد برغم الحاح السائق وسمسار العربات .. فلما وجدت سيدة من جنسها تفتح باب السيارة بصحبة زوجها .. ذهب عنها التردد وركبت ..

واضطررنا بعد ركوبها مراعاة للذوق أن نغير محلاتنا جميعا .. فجعلنا الوافدة الجديدة تستريح فى المقعد الخلفى بجوار السيدة الاخرى وزوجها ..

وأصبحت أنا وشاب قاهرى نحيل سمين الخدين قد ترك شعره ينمو بغزارة فى المقعد الأمامى بجوار السائق ..

وانطلقت السيارة فى جو مشحون بقيظ النهار ولهيبه ، على خلاف الحالات فى شهر مايو حتى تخففنا من ملابسنا من أول النهار واكتفينا بالقمصان المفتوحة والبنطلونات الصيفية ..

وكنا نقدر أن السيارة ستمضى بنا فى الطريق الزراعى وعلى الأخص ونحن نواجه الليل طوال المسافة ، ولكن وجدنا السائق ينحرف بنا إلى الطريق الصحراوى ، وأفهمنا فى أدب وأسف أن جهاز التنبيه عنده معطل ولو سار فى الطريق الزراعى فسيأخذ مائة مخالفة من رجال المرور ، وأشفقنا عليه من الغرامة وتركناه يمضى على سننه ..

وكنا فى بداية الشهر القمرى ، والسفر فى الصحراء متعة فمن يمين وشمال ستنقلب الرمال فى ضوء القمر الشاحب إلى تبر منثور .. ويصبح الحصى الصغير حبات من الزمرد ..

ويا للجمال الوحشى عندما يتوئب غزال أو يمرق ذئب .. أو تقطع الطريق قافلة من الجمال وهى تتهادى رافعة أعناقها وهادرة فى غضب الحليم إذا حثها راعيها على السير حتى لا تعطل الطريق ..

ولكن كل هذه الأحلام الذهبية طارت من رؤوسنا عندما اقتربنا من البحيرات ، وزكمت انوفنا رائحة الطحلب والحشائش المتعفنة ..

وخرج إلينا الصبية فى أكثر من موضع يعرضون البيض والفاكهة فى سلال صغيرة وكانت السيدة السمينة تريد أن تتوقف السيارة لتشترى منهم .. ولكن زوجها زجرها بلطف فدفنت رغبتها فى أسف ..

وعندما مالت السيارة إلى اليسار واستوت على طريق القاهرة الرئيسى .. أخذت تسرع فى سيرها لتعوض ما فات من تباطؤ بسبب ما كان يعوقها فى الطريق الملتوية ..

وكانت الرؤية لا تزال واضحة والليل لم يجثم بعد .. وكان الشاب النحيل الجالس بجانبى ثرثارا بطبعه .. فلما وجدنى لا أجاوبه على ثرثرته أخذ يحادث السائق .. ثم أخذ يلوى عنقه ليحادث الركاب الثلاثة فى الخلف .. وفى الوقت عينه يرى أثر الحديث فى وجوههم وبدا مرحا وإن كان يتكلف الفكاهة والإضحاك ..

ولكن السيدتين انجذبتا إليه وتفتحتا له .. وفى أقل من ربع الساعة منذ ركوبنا عرف أن السيدة الوحيدة ذاهبة رأسا إلى مطار القاهرة لتنتظر قادما من الخارج .. وأن السيدة السمينة وزوجها كانا فى زيارة قصيرة فى الإسكندرية لمناسبة فرح ..

وعندما حول رأسه إلى اليمين ليسألنى ألجمته بنظرة قاسية .. وكأنه ما تلقى الصفعة فقد طفق يتحدث ويتحدث .. وظلت عيناه لفترة طويلة مثبتة على المرآة التى أمام السائق حيث بدا فيها وجه السيدة الوحيدة بكل تقاطيعه الجميلة .. وكل ما فيه من سكون وتألق ..

وكانت الحرارة الشديدة التى اكتوينا بها فى النهار .. قد جعلتها ترتدى فستانا قصير الأكمام فوق الركبة وحذاء مكشوفا من غير جورب .. كما أن وجهها الوردى كان يبدو متأثرا بالحرارة إلى أقصى مدى ..

وكان التعبير الوحيد من جانبها عن احساسها بالجو الخانق أن فتحت شفتيها تستجير من الرمضاء ، وتحاول أن ترطبهما بعد أن جف الرضاب ..

وقدمت السيدة السمينة التى كانت ترتدى جونلة كحلية وبلوزة بيضاء بيدها البضة جرعة ماء من الترمس للمسافرين جميعا قبل أن تتذوق قطرة ، فشكرناها بقلب حار ..

وأخذنا مع جذب السيارة ودفعها للهواء نحس بانكسار موجة الحرارة قليلا ..

ودخلنا فى الغسق وأحسسنا بجمال الليل فى الصحراء وسكونه وزاد من روعة المنظر القيود المفروضة على أنوار السيارات الذاهبة والرائحة بسبب الحرب ..

* * *

وبدأ القمر الصغير يميل ويختفى ومالت رؤوسنا على المقاعد .. وأغفى السيد وزوجته .. وألقت السيدة الوحيدة رأسها إلى الوراء واسترخت ..

وهبت موجة باردة خفيفة انعشتنا بعد أن تفسخت نفوسنا من الحرارة ..

وأخذت السيارة تسرع مع الريح التى بدأت تحرك الرمال الساكنة كأنها تخوض فى البحر ..

وكان جارى قد انطلق يتحدث مع السائق عن غارات اسرائيل الجوية على القاهرة وضواحيها ..

ولما بدأ يتحدث عن الغارة على الأطفال فى مدرسة ( بحر البقر ) لكزته فى ركبته ليصمت فصمت .. وتلفت إلى الخلف لأعرف هل سمعته السيدتان أم لا .. وكنت اقدر تأثير هذا الحديث المعذب على السيدات والأمهات على الأخص فحمدت اللّه لما وجدتهما نائمتين ..

وكانت السيدة الوحيدة قد مدت ذراعها اليسرى على المسند فلمحت خاتم الزواج فى الأصبع ، وساعة ذهبية رائعة تتألق بسوارها الذهبى فى العتمة الشاحبة ..

وظللت لحظات أدير رأسى إلى الوراء دون وعى منى مع ما لفعلى هذا من خفة لا تليق برجل فى الخمسين فقد وجدت جمالا نائما أسرنى وجذب نظراتى فى وضعه الحالم ..

وكان الشاب يدخن فى شراهة وقدم لى سيجارة فقبلتها رغم أن نفسها لا استطيبه ، وأعطى مثلها للسائق وأصبحنا نتخبط فى الليل على الطريق المرصوف والرمال من حولنا داكنة .. والظلام يطبق برواقه .. وأنوار السيارات أخذت تقل .. فمن الذى يسافر فى ليل بدا نهاره كلهب الجحيم ..

كانت سيارات الشركة الطويلة تترنح على الطريق .. وفيها ربع ركابها.. ثم انقطع سيلها تماما ..

ودخلنا فى الظلمة الشديدة .. وكانت تلمع عن بعد فى جوف الصحراء بعض البنايات الجديدة المجاورة لزرع الصحراء وتحولها إلى خضرة نامية ..

* * *

وكانت الرمال الصفراء تبدو نائمة فى العتمة .. لا تسفيها الريح اللينة ولا تحركها .. إن مثل هذه الريح لا تحرك القلاع فى البحر .. ولكن تحرك الزرع فى الصحراء ..

بدت المزارع على الجانبين رغم الظلام مرة فى الجانب الشرقى وأخرى فى الجانب الغربى ، مزارع البطيخ والكروم التى أكسبت الأرض الجرداء نضارة وكستها بالبساط الأخضر .. والمياه تتحرك فوق الزرع بالرشاشات كأنها تغسل منها أوضارها فى النهار .. منظر جميل يشد لب المسافر ويحرك مشاعره ..

ومن خلال العين الفاحصة للجو والطريق الخالى وسير العربة .. قدرت أن السائق الذى تجاوز الأربعين من عمره وأكسبته السنون خبرة سيبلغ بنا الاستراحة بعد ساعة على الأكثر وبعد ساعتين اخريين سندخل شارع الهرم ..

وفجأة حدث شىء لم يكن فى تقديرنا قط .. شىء ارتجف له قلب السائق .. فقد انقطع النور عن العربة .. وأصبحت مصابيحها الخلفية والأمامية ميتة ليس فيها حياة ..

* * *

وتوقف السائق فى جانب ليفحص الأسلاك على ضوء بطارية ثم عاد يائسا .. ورأى أخيرا أن يتحرك فى الظلمة ببطء ولا يتوقف ..

ولكنا كنا نحس بعد كل حركة فى هذا الظلام الشديد بالخطر .. وشاع فينا اليأس إلى درجة أن أكثرنا تفاؤلا ارتجف .. وأصبح الطريق الاسفلتى الذى كان يضاء فى الليل بالفوسفور مظلما وكئيبا وموحشا كأنه طريق المدافن ..

وأصبحت الصحراء الواسعة اضيق فى نظرنا من سم الخياط .. ولم نشعر فى حياتنا بكآبة وضيق كما شعرنا فى هذه الساعة القاتلة ..

* * *

وعلى ضوء النجوم سرنا فى الصحراء بحذر شديد وتمهل أكثر كلما التوت أمامنا الطريق ..

وكلما تقدمنا خطوات شعرنا بالكآبة أكثر ، وخيمت علينا الظلمة ولفتنا فى دثارها الأسود حتى خرجنا أكثر من مرة عن الطريق المرصوف ، وأصبحنا كالحجر الذى يرمى به من فوق الجبل ولا يدرى فى أى مستقر يهوى ..

وجاءت من الطريق المضاد سيارة ضخمة كادت تسحقنا .. وشعرنا بالخطر الداهم .. فلابد من التوقف حتى يطلع النور وشاع فينا رعب الموت وانقلبت السيارة فى نظرنا إلى عربة من عربات الموتى ..

وأخيرا فكر السائق فى حل عندما وجد طريقا مرصوفا إلى الشمال .. وقال لنا إن مديرية التحرير على بعد دقائق .. وهناك يستطيع أن يصلح كهرباء السيارة .. ونمضى كما كنا .. وسار فى هذا الطريق الجديد فعلا ..

وظللنا أكثر من اربعين دقيقة نمضى فى قلب الصحراء طوعا لرأى السائق وأمله .. وكان بعد كل نصف كيلو متر يقدر أننا وصلنا إلى المديرية ..

وتحملناه بصبر وجلد حتى لا نثير أعصابه إذا اعترضنا على خط سيره .. فيسوقنا إلى الردى ..

وعلى منعرج فى الطريق لاح شبح رجل وبصر به السائق فتوقف عنده يسأله عن مديرية التحرير ..

وسمعنا الرجل يقول له وقد بدا على وجهه الأسف لحالنا :
ــ المديرية ليست من هنا .. ارجع من حيث أتيت ثم خذ الطريق الآخر ..

وأخذ الرجل يوضح للسائق بدقة كيف يسير فى الطريق الصحيح وهو يشير بيده كأنه يرسم على الرمال خريطة للطرق .. وفى الوقت نفسه أخذت عيناه المتقدتان فى الظلمة تحاول أن تتوضح الراكبين فى السيارة .. وكنا جالسين فى صمت وعيوننا متجه إلى زيه العربى وقامته الطويلة وتقاطيع وجهه الجامدة .. وبدا لنا من وقفته المنتصبة رغم الشيخوخة قويا موفور العافية ..

ورغم الصرامة التى طالعتنا من وجهه فقد كان صوته يوحى بالطيبة المطلقة ..

ووقف السائق بجانب السيارة يدير رأسه ويتأمل الأمر فى حيرة أرعبتنا ..

وقال الرجل الوقور الذى كان لا يزال واقفا على الرمال لما علم بأن السيارة تدلف من غير مصابيح ..
ــ تفضلوا اشربوا القهوة فى بيتى واستريحوا إلى الصباح .. لأن سيركم فى الليل وأنتم على هذه الحالة سيعرضكم للمخاطر ..

ولا أدرى من منا الذى سأله على الفور :
ــ وهل البيت قريب .. ؟
ــ على مدى خطوات قليلة من هنا ..

وقال السائق :
ــ تفضل اركب معنا لترينا السكة ..
ــ شكرا .. أن معى جمالى .. فسيروا وراء الجمال ..

وغاب عنا فى الظلمة .. وصاح فى جوف الليل .. وبرزت ثلاثة جمال ضخمة فى لون الرمال ، ولم تكن أبصارنا قد وقعت عليها من قبل ودفعها الرجل أمامه حذاء الطريق وهو يلوح بقطعة جلدية قصيرة ويقول شيئا كالغناء ..

وأسرع وراء الجمال مهرولا ونحن خلفه بالعربة وقد تجمدت مشاعرنا وكنا فى حالة يأس قاتلة فلم نستطع أن نعتذر للرجل أو نرفض ضيافته .. وعلى أسوأ الأحوال فقد لمسنا فيه بعيوننا الفاحصة خلق العربى وشهامته ..

* * *

ووقف بنا على باب بيت من طابق واحد مبنى بالآجر الأحمر ليس من البيوت الكبيرة وكانت طاقاته الصغيرة تبدو عالية فى نظرنا أكثر مما رأينا مثلها فى البيوت ..

وأدخلنا الرجل فى المضيفة وتقدمتنا السيدتان فى خجل ظاهر وكانت السيدة الوحيدة أكثر خجلا .. فى ردائها القصير .. حتى رأيت خديها على ضوء السراج الخفيف يلتهبان جدا وتبدو شرايينها الدقيقة وقد فارت دفعة واحدة بالدم القانى ..

وجلسنا على الحشيات الناعمة من جلود الاغنام وضعت فوق الاحرمة والحصر فى شبه دائرة ، وعيوننا تحدق فى بعضنا البعض فلأول مرة نتلاقى مواجهة ..

ولاحظ الرجل أن الحشية الواطئة قد كشفت سيقان السيدتين وأفخاذهما بصورة واضحة حتى اضطرتا إلى الجلوس منكمشتين .. فجاء لهما بالوسائد واستراحتا فى الجلسة وغطت السيدة الوحيدة سيقانها الناعمة بوشاح وردى أخرجته من حقيبة يدها .. ففعلت الثانية مثلها على التو ..

وتنفسنا الصعداء جميعا فقد بعدت عن عيوننا الفتنة فى الليل الساكن ..

وشعرنا بالهدوء فى الداخل والخارج .. والخوف الذى كان قد ساورنا من طلعة الرجل الجامدة ونحن فى السيارة قد تبدد الآن تماما .. ونحن فى داخل بيته ..

وفى أثناء احتساء القهوة أدركنا أن الرجل الذى أصبح فى نظرنا منذ هذه اللحظة ( صقر الليل ) فى البيت وحده .. ربما كانت اسرته فى مكان آخر فى هذه الساعة .. أو ربما لم تكن له أسرة على الاطلاق .. كما أن بيته لم تكن حوله بيوت ..

وقدم لنا كل ما عنده من طعام .. وجلسنا جميعا حول المائدة .. وكان السائق أكثرنا شراهة فى الأكل .. والسيدة الوحيدة أقلنا ..

وشعرنا بعد الطعام برباط قوى يربطنا بالرجل ..

* * *

ولما حل ميعاد النوم .. وفى البيت حجرتان فقط .. اقترحنا أن تستريح السيدتان فى حجرة .. وينام صقر الليل فى فراشه فى الحجرة الأخرى كالمعتاد ..

ولكنه رفض هذا العرض وقال إنه يترك الحجرتين لضيوفه .. وسينام فى الفناء .. وبعد حوار طويل استقر أمرنا على أن نترك حجرة للزوج وزوجته.. والحجرة الأخرى تنام فيها السيدة الوحيدة ..

ونضطجع نحن الثلاثة أنا والشاب والسائق مع صقر الليل فى الفناء ..

* * *

ونهض الزوج وزوجته ودخلا الحجرة وكان على وجه الزوجة السرور بهذه القسمة العادلة ..

وقامت السيدة الوحيدة بعدهما وهى تحيينا فى خفر ..

وفرش لنا ( صقر الليل ) فى رحبة البيت ما بقى عنده من حصر وأحرمة ورد الباب ولمحت فى المدخل عندما رفع ذراعه ليخفف من ضوء السراج ثلاث بنادق معلقة فى الحائط وخنجرين وسيفا بغمدة واستدار الصقر نصف دورة ليطمئن على راحتنا جميعا ثم اضطجع فى مدخل البيت ..

* * *

وكان التعب قد نال منا جميعا .. فأخذنى النوم .. بعد أن وضعت رأسى على الوسادة .. وأنا أسمع زفيف الريح فى الخارج ..

وكان الشاب على بعد أذرع قليلة منى نائما وبجواره السائق الذى نام كالقتيل من فرط ما قضاه فى نهاره كله من جهد وعذاب ..

وتيقظت على صوت فى هدأة الليل أشبه بعواء الذئب .. فتحركت فى فراشى ولما فتحت عينى لمحت على ضوء السراج الخافت .. أن جارى الشاب ليس فى مكانه .. فخطر فى بالى أنه نهض ليقضى حاجة ..

وتيقن هذا الخاطر .. عندما أحسست به يرجع بعد وقت قليل إلى فراشه ويتمدد كما كان ..

ثم لفنا الليل .. وأحسسنا بتغير الجو ولفحة من برد الصحراء أخذت تهب فتغطيت ونمت ..

وقبيل الفجر سمعت صرخة .. تنبعث من داخل حجرة السيدة الوحيدة .. ثم انقطع صوتها وخيم السكون من جديد ..

* * *

وكان ( صقر الليل ) بالخارج فشاهدنى متيقظا وهو يدخل ويرد الباب .. فقال بصوته الهادىء :
ــ لا شىء .. استرح .. كما كنت .. أنه صوت الذئاب .. حرك الجمال فى أعطانها ..

وكان وجهه وصوته رغم جمود ملامحه ينمان عن شىء جرى فى هدأة الليل يقينا ولكنه لا يريد أن يفصح عنه ..

ولما لم أعرفه شعرت برعشة .. تسرى فى بدنى كله ..

* * *

وقبل الشروق نهضنا على عجل .. وسبقنا السائق إلى سيارته ..

وكان ( صقر الليل ) يود أن يستبقينا للإفطار ولكننا اعتذرنا له بشدة .. وركبنا نحن الأربعة ووقفت السيارة تنتظر الخامس ..

وقال صقر الليل من عتبة الباب .. لما وجدنا لم نتحرك بالسيارة ..
ــ إن الشاب سبقكم منذ ساعة .. ركب سيارة كانت عابرة .. فلا تنتظروه ..

ثم تقدم إلى السيدة الوحيدة وهو ينظر إلى عينيها الحزينتين ووضع فى يدها الساعة الذهبية ..
وقال بصوت خافت :
ــ لقد نسيت هذه داخل الحجرة ..
واسود وجهها وهى تتناول الساعة ..

* * *

وتحركت بنا السيارة فى صمت .. ولم يجرؤ واحد منا طوال ما بقى من الطريق على أن يفتح فمه ويوجه كلمة إلى سيدة متزوجة ربما كانت ذاهبة إلى لقاء زوجها .. ولا أدرى أكانت تصرخ عندما سمعت صرختها فى الليل لتبكى على الشاب .. أم على الساعة ..

================================
نشرت القصة فى مجلة الهلال عدد اغسطس 1970 وأعيد نشرها بمجموعة قصص لمحمود البدوى بعنوان " صقر الليل " وبمجموعة " قصص من الإسكندرية " من تقديم واعداد على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ الناشر مكتبة مصر 2002
================================





ليست هناك تعليقات: